الثلاثاء، 3 يونيو 2008

مفهوم الإبداع وأهميته
يعترف الباحثون اليوم بصعوبة الوقوف على تعريف موحد للإبداع، ولعل أول أوجه هذه الصعوبة تكمن في درجة التعقيد التي ينطوي عليها الإبداع، على اعتبار أنه ظاهرة متكاملة ذات وجوه متعددة. إلا أن معظم الباحثين يذهبون إلى اعتباره ضربًا من ضروب الذكاء، إذ يتطلب الإبداع في أبسط أشكاله نوعًا من تجاوز المألوف.
فإذا كان الذكاء يعرف بأنه القدرة على حل المشكلات، فإن الإبداع يتجاوز هذه القدرة إلى قدرة أخرى ترقى إلى استبصار طرق ومناهج جديدة في إيجاد الحلول على نحو غير معروف من قبل. كما وضع البعض شروطًا أخرى للتفكير الإبداعي، ومنها أن يتضمن هذا التفكير قدرًا كبيرًا من الدافعية والحماس لتحقيق الأهداف، وإيمانًا عميقًا بجدواها العملية.
ولا يقتصر الإبداع على مجال واحد من مجالات التفكير، بل يتعداه أيضًا إلى مجالات الفن والموسيقى والجمال التخيلي، إذ يتميز المبدعون عادة برهافة الحس، والقدرة على الإدراك العميق لكل ما يدور من حولهم .
اشتغل الباحثون منذ القدم بمحاولة الكشف عن مواطن الإبداع والعوامل المكونة له، وتباينت وجهات النظر إلى حد كبير، فذهب فريق منهم إلى ربط الإبداع بالوراثة، كما فعل أفلاطون عندما قسم المجتمع إلى طبقات تتوارث أدوارها بين الحكماء والمحاربين والعمال والعبيد، وإن كان قد سعى لحل مشكلة بروز بعض الحالات الإبداعية في الطبقات الدنيا وقد أُوكل إلى الحكماء مسؤولية إعدادهم في «الجمهورية».
كما تشير الدراسات الحديثة إلى ربط الذكاء بعوامل أخرى ومنها التركيب الداخلي للدماغ بدلاً من الحجم والوزن. من جهة أخرى، وكرد فعل على هذه النظرية المجحفة برزت دراسات أخرى تعطي البيئة دورًا جوهريًا في تحديد القدرات الإبداعية لدى الطفل، إلى الحد الذي جعل البعض يعدها العامل الوحيد المكون للذكاء، فقد أعلن «واطسون» أن التربية والبيئة الثقافية هما المؤثران الوحيدان في قدرة المرء على الإبداع، ويمثل لذلك قوله: «أعطني اثني عشر طفلاً سليمًا ومعافى مع ظروف بيئية مناسبة لأؤكد لك أنهم قادرون بمحض إرادتهم على تحقيق طموحهم، وستجد فيهم الطبيب والمحامي والفنان والتاجر والقائد وحتى اللص والمتسول، وذلك بغض النظر عن ميولهم واستعدادتهم الفطرية أو مورثاتهم ».